التنمر كلمة قد تمر علي مسامعنا ومسامع الكثيرين دون الإلمام الشامل بمفهومه قد تبدو الكلمة عادية ، و بها من القوة ما يغني عن التعمق في تحليل المصطلح…
التنمر حسبما تعرِّفه منظمة اليونيسيف (منظمة الأمم المتحدة للطفولة) بأنه أحد أشكال العنف الذي يمارسه طفل أو مجموعة من الأطفال ضد طفل أخر أو إزعاج، بطريقة متعمدة ومتكررة .
قد يأخذ التنمر أشكالًا متعددة كنشر الإشاعات، أو التهديد، أو مهاجمة الطفل المُتنمَّر عليه بدنيًا أو لفظيًا، أو عزل طفلٍ ما بقصد الإيذاء وأفعال أخرى تحدث بشكل غير ملحوظ.
دول العالم المتقدمة والمتحضرة مازالت تعتبر التنمر قضية لها أبعادها الخطيرة المجتمع والطفل ؛ لذلك أولت تلك الدول الاهتمام بهذه الظاهرة ، وأفردت لها المخصصات والبحوث والدراسات لمواجهتها باعتبارها خطراً داهماً وحقاً من حقوق الطفل… بل وحقوق الإنسان .
محاربة التنمر :
برغم المحاولات الجادة لعدد من الدول العربية بالتعاون من بعض المنظمات الدولية في مواجهة التنمر كمؤسسة اليونسيف بمصر التي تقدم عدداً من الفعاليات المتعددة لمواجهة التنمر ضد الأطفال ، إلا أننا مازلنا بعيدين جداً عن علاج صلب القضية ، ونتعامل معها من الزاوية الضيقة حينما تناسينا أن التنمر في مجتمعاتنا العربية أصبح للأسف أسلوب حياة فرضتها المصالح واعتبارات كثيرة خلقت أجيالاً حاملة لهذا الفيروس الاجتماعي الخطير … و لكن بالرغم من الاهتمام بالقضية إلا أننا مازلنا نعاني وسنظل نعاني و لو على المدى القريب من ظاهرة التنمر المجتمعي متعدد الأشكال .. وهل يقل تنمر البالغين والكبار خطورة عن تنمر الأطفال .. كيف سينفذ آلية مواجهة التنمر من كانوا و مازالوا متنمرين ضد مجتمعاتهم و أقرانهم ، و قد خلقوا من صلب التجربة المريرة؟ .. ومن منا لم يتعرض يوماً لتنمر بشكل ما أو بآخر،
حقيقة واضحة
فهذا أستاذ جامعي يتنمر ضد تلميذه المبدع ، فيقلل من علمه ويقف له بمرصاد العالِم الذي لا يُقهَر والأستاذ الذي لا يُناقَش ؛ فيحرجه ويقلل من شأنه أمام أقرانه . و هذا موظف متنمر يخطط ويدبر المكائد وينشر الشائعات ضد زميله بالعمل الموظف المنضبط لأنه دائماً لا يسمح للموظفين بالتلاعب في دفاتر الحضور والانصراف ؛ لذلك هو مكروه وسط مجموعة من المتنمرين المتعطشين للمؤامرات ..وذاك متنمر آخر يطلق على نفسه (أديباً كبيراً) يقوم بممارسة التنمر مع من يخالفه من زملائه الأدباء ، فيصف هذا بالشويعر، وذاك بسارق الشعر، وآخر بأن شعره وضيع ولا يرقى لمستوى السمع ..و ربما وصل الأمر إلى توجيه بعض تلاميذه ، الذي من المفترض أن يكون لهم القدوة وأن يعلمهم المحبة والتسامح والعدل جنباً إلى جنب مع الأدب ، لكنه يقبل ـ مع سبق الإصرار والترصد ـ على ممارسة دور القائد المحرض ، فيحرض هذا على ذاك ؛ لسبب أو لآخر .
التنمــر في عالم السياسة
أما في عالم السياسة ، فحدِّث ولا حرج … أجواء حامية الوطيس مليئة بالمتنمرين ..شائعات تملأ فضائياتنا العربية و فضائيات مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت …إشاعات وفتن بالجملة ..حملات يُدفع فيها الغالي والنفيس للانقضاض علي أعراض وسمعة الخصوم وتحقيق مكاسب سياسية رخيصة تخلق لنا جيلاً من المشوهين سياسياً .
من أين نبدأ محاربة التنمر ؟؟
محاربة ومواجهة التنمُر تستلزم وعيا جماهيريا شاملا وتغييرا جذريا في سلوك أفراد وجماعات هذا المجتمع الذي اكتسبها عبر سنوات وسنوات .. في ظل غياب مفاهيم العدالة وشيوع الشللية والطائفيه ومراكز القوي الذي
يصبح فيها المال والعنف والشائعات متحدثا رسميا ..بدلا من العقل والعلم والعدل والسلام
علينا نشر ثقافة التسامح ..علينا بنشر العدل ..ومواجهة الشللية…
متنمرين ضد الوطن
علينا مواجهة المتنمرين سياسياً ،ضد مصالح البلاد وضد أمن الوطن واستقرارة. ومواجهة مروجي الفتن والشائعات وضرب مراكز قوي تهدد سلامته عن طريق أموال تصنع لنا آلاف المتنمرين ، ينهشون ويطعنون في ذمة ذاك تارة ، ويمارسون البلطجة والقهر على آخرين .تارة أخرى .علينا بقلب الطاولة علي المتنمرين ضد أوطناهم باسم الحرية وباسم الثورة و باسم اللات والعُزى و الماسون.علينا بمحاربة هؤلاء. علنا.
المدرسة .. الحاضر الغائب
علينا إخراج جيل واع من المعلمين بالمدارس جيل سَوِيٍّ خال من التشوهات النفسية وخالي أيضاً من أطماع الدنيا وزخارفها … علينا باستمرارية حملات مواجهة التنمر وأن لا تكون كرنفالية أو تظاهرة هنا أو هناك بل تكون هدفاً قومياً لإعداد أجيال واعية ، واثقة بنفسها وبقدراتها ، أجيال تفرز الغث من الطيب أجيال يملأ قلبها السلام .. علينا محاربة الشللية في مؤسساتنا الحكومية وضرب مواطن استعراض القوي فوق رأسها ، فلا صوت يعلو فوق صوت الحق .. .. علينا تحويل قضية التنمر إلى قضية قومية ؛ تحقيقاً للعدالة والإنسانية ومنعاً لخلق جيل قادم من المتنمرين والمهزومين اجتماعياً …حاربوا التنمر ونقُّوا الذمم . ولنا عودة…..!!..