دراسة نقدية منهجية لديوان أنا المصري للشاعر هيثم متولي قدمها الشاعر محسن الخضرجي
تمهيد :
ديوان شعر(أنا المصري- بالعامية المصرية)/للشاعر هيثم متولي …
إذا كان الكتاب يتضح من عنوانه ، فإنه يستوقفك اللوحة التشكيلية الرائعة على غلاف هذا الديوان(أنا المصري) ، و تمثل قراءة أولية للديوان ، فهذا مواطن شباب يتشح بعلم مصر يواري ظهره ، مثبتاً حول عنقه برباط محكم وترفرف أطرافه كأنها جناحا طائر يستعد لكي يحلق في الأفق، بينما الشاب ينطلق بخطى ثابتة على أرض صلبة متجهاً إلى تلك المعالم الدينية(مسجد و كنيسة) و التاريخية( الأهرامات والقلعة) و رموز انتصارات(الجندي المصري يرفع العلم على خط بارليف بعد اقتحام و تدمير حصونه المنيعة، في حرب أكتوبر المجيدة في أشرف الحروب و أعظم الانتصارات في العصر الحديث ، إضافة إلى رمز الوحدة الوطنية بالمسجد و الكنيسة، و أسفل الغلاف عنوان الديوان(أنا المصري) و كأن الصورة تنطق بالوطنية الصادقة ، و أن وطنه هو شغله الشاغل و مرعى اهتمامه و مقصد بصره و بصيرته ، و لهفة نفسه و فؤاده .. بينما في ظهر الغلاف تجسيد للوحدة الوطنية في النص المدون بعنوان(كنيسة و جامع) .. يا لها من لوحة تشكيلية رائعة تمتزج فيها عناصر الصورة مع الكلمة الشاعرة .
بين يدي ديوان أنا المصري
و حينما ندخل إلى قصائد الديوان فإذا بنا تغمرنا حالة شعورية بملامح شعرية من خلال سؤال (كيف تكون مصرياً) .. و سرعان ما تجد الإجابة بقصيدة (أنا المصري) ، إذ يرسم لنا الشاعر سمات الشخصية المصرية الأصيلة ، و كيف تليق بشرف انتمائك لأم الدنيا و صانعة التاريخ و منبت خير أجناد الأرض ، فأنا المصري الذي صنع التاريخ و علم الأمم كيف الانتماء ، و معنى الوطنية .
لقد وهب الشاعر نفسه ، و كرس جهده لدحض تلك الإشاعات و الضلالات و الأكاذيب ، بما يمتلك من أدوات تتناسب مع أساليبهم القذرة و أدواتهم المشبوهة (من خلال الصوت والصورة) ، إضافة إلى كونه شاعراً ، فوهب نفسه جندياً في ميدان معركة واجبة للدفاع عن الوطن ضد أولئك الخونة و مخربي الأوطان .. و هكذا استيقظ الضمير الوطني ، من غفوته كعادته بعون من الله ، فإذا بصيحات المخلصين من أبناء الوطن تعلو فوق أصواتهم الشريرة ، الزائفة، التي لا تريد غير التدمير والتخريب والهلاك للمصريين ومقدراتهم و انتزاع السلطة غصباً ؛ من أجل التمكين لهم في كل منطقتنا الإقليمية بإيعاذ من قوى استعمارية خارجية التي تُمدهم بالمال و العتاد و المعلومات ، و قد اعتادت تلك الفئة من الإرهابيين و المتطرفين أن تعلو بصيحات و إشاعات تخلط كلمة واحدة صادقة بعشرات من الأكاذيب لكي تحاول خداع الشعب و الالتفاف حول عقول البسطاء من الناس ، لخلق صدى لرغباتهم الدنيئة و استجابة لمزاعمهم الزائفة باللعب على وتر الدين .. فتشكلت أشرس معارك الوعي في التاريخ.. ولكن شعب مصر الأبي سرعان ما تنبه لذلك ، و قرر أن يصارع تلك الأكاذيب و الألاعيب التي استخدمتها قوى الشر .. من هنا قد انطلق شاعرنا برصيده الكبير والقوي من مصريته و وطنيته العاليةو انتمائه المتوقد للوطن الذي ولد فيه و يطعم من خيراته حتى لو ضحى بنفسه من أجله .. و هاهم رجال الجيش و الشرطة و أبطال الأمن والشرفاء من أبناء الشعب قد وقفوا على قلب رجل واحد ، فقد كانوا على وعي تام بالمصائب التي خطط لها الأعداء في الخارج، و روج لها الإرهابيون والخونة في الداخل .
هكذا استيقظ الضمير الوطني من غفوته كعادته،و بعون من الله و توفيقه ، و منها صوت الشعراء الذين تميزوا بالحكمة وسط أمواج عاتية من الأكاذيب و الأضاليل التي انطلقت – عبر أبواق الحقد و الكراهية التي تهدف من خلالها تلك الجماعات المشبوهة للوصول لكرسي حكم مصر حتى لو كان السبيل إلى ذلك هو تدميرَ مصر و هلاكَ أبناء الشعب و سرقةَ مقدراتهم على يد تلك الجماعات الإرهابية التي طالما اعتادت و من خلال مخططات دعائية شيطانية أن تطلق كلمة حق واحدة ممتزجة بعشرات الأكاذيب لكي تحاول خداع عقول الشعب؛ لعلها تجد من خلالهم صدى لرغبات أولئك الإرهابيين و استجابة لمزاعمهاالزائفة .
إذاً كان لا بد من أن تعلوَ صيحات المصريين المخلصين لإخماد نيران الصيحات المشبوهة ، إذ علت صيحات المخلصين من أبناء الوطن التي انطلقت متتبعة أكاذيبهم على كل منبر يستخدمونه للتزييف و الخداع.
لقد وجد الشاعر نفسه مجبراً على التعامل مع تلك الظروف التي فرضتها أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١ ، و سادت البلاد حالة ثورية هوجاء صاحبت الأحداث التي كانت تحمل أهدافاً وطنية و إصلاحية طالما انتظر المصريون تحقيقها عبر مرحلة تيه و تخلف دامت عقوداً من الزمن سادها العمل الدءوب للوصول في الوقت المناسب إلى حكم مصر تحت ستار إقامة دولة إسلامية مزعومة .. و لكن الأحداث مرت بطرق غير شرعية لأهداف خفية حرَّكتها جهات أجنبية ، أدواتها أذرع قوية مستخدمة أبواقاً إعلامية خائنة و شريرة ،دفعت بالأوضاع إلى حالة استخدام السلاح في أعمال تفجيرية عدوانية .
لقد وجد المصريون أنفسهم قد خرجوا من سجن التخلف والخسران ليقعوا في أحضان زائفة خائنة ، تدعي الإنقاذ و الإصلاح ، لقد وجد الشعب المصري نفسه غارقاً في بئر الخيانة و أصبح مصيرهم كالريشة في مهب الريح إلى حيث المجهول والفشل .
من هنا لم يهدأ للمصريين الشرفاء بال .. استيقظت ضمائرهم خلف زعامة وطنية مخلصة هبت لإنقاذ الوطن و تحطيم مخططات المستعمر التاريخي في ثوبه الجديد في صيغة (الطابور الخامس) مستخدمين (السوشيال ميديا) بتحويلها إلى أباطيل تقلب كل معتدل ، و تحارب كل مصلِح و تفسد كل مُصلَح بتزييف العقول في مصر والوطن العربي من أجل فرض أهدافهم الدنيئة، و لتنطلي على عقولنا تلك الأساليب الخبيثة .
وسط هذه الأحداث انطلق شاعرنا (هيثم متولي) مع أصوات شعرية كثيرة تميزت بالحكمة للقيام بتلك المهمة المقدسة وسط أمواج عاتية من الأكاذيب و التضليل و صناعة الفتن .. و شاعرنا لديه الكثير من القدرات و الأدوات التي يستطيع بها كشف تلك المحاولات الخبيثةفاعتبر نفسه جندياً يهب وقته و جُهده لإنقاذ الوطن ، فهيأ نفسه جيداً ليرد عن الوطن كل فرية و تضليل يستطيع كشفهما ، و أعد لذلك أسلحة لا تقل شراسة عن أسلحة أولئك الأشرار عبر (السوشيال ميديا) ، إضافة إلى كونه شاعراً فقد شهر قصائده الشعرية كسلاح في صدورهم يدحض بها أباطيلهم ، وتفاصيلها الخسيسة .
لقد اتخذ الشاعر هيثم متولي لنفسه خندق الشرف و الإباء بالكلمة الطيبة الواعية النافذة في قلوب الأشرار، وأخذ يرتب أوراقه الدفاعية و الهجومية ليلعب دوره بمهارة و حكمة صائبة، فهو لاعب ماهر يخطط لكل شيئ ؛ فجاءت قصائد ديوانه مرتبة و منسقة و عامرة بروح وطنية متوقدة . فبدأ ديوانه بقصيدة (أنا المصري) يشكل من خلالها قالباً وطنياً، يجسد شخصية المصري الشريف ، و قد ذكر أمثلة للمواطن القدوة ؛ كي يلتف حولها كل أبناء الوطن المخلصين مثل (السادات، عبد الناصر) كقادة عظام ، و (شوقي) أمير الشعراء ، و(زويل) فخر العلم و العلماء، و (ثورتي يوليو ١٩٥٢) ، (يونيو ٢٠١٣) أعظم ثورة مصرية في العصر الحديث ،و (الشيخ الشعراوي) إمام الدعاة، و(البابا شنودة) بابا الكنيسة ، ثم يذكرنا بأمجاد أجدادنا الذين سطروا تاريخنا بحروف من نور ، كما أكد في القصيدة على دور جنودنا البواسل في الحفاظ على بلادنا حرة أبية ،و حماية حدودها ، فكانت قصيدة (أنا المصري)بمثابة عقد تنتظم فيه حبات القصائد الأخرى.. و هو يصب في حبك الديوان في وحدة عضوية للديوان بأكمله ليعبر عن قضية الوطن ، و لا يخرج عنها .
البحر الشعري في ديوان أنا المصري
نظم الشاعر قصائده من مجزوءالأبحر السبعة المفردة (أي ذوات التفعيلة الوحيدة المتكررة أربعاً فى كل بيت)، و لم يأت بالتام منها، التي تتكرر تفعيلتها ست مرات في كل بيت إلا من بحرين فحسب ، هما (تام الوافر/السادات) ، (تام الكامل/زي العدم) ، واستخدام البحور القصيرة ، أي المجزوءة ، و هذا يعني أن الشاعر يميل إلى الجمل قصيرة المبنى في إبراز أفكاره الجزئية ، و إظهار ذلك في صيغة نداءات و شعارات قصيرة ذات صوت عال و سريع تمكنه من أن يستصرخ بها أبناء الوطن ، لكي يتنبهوا إلى المخاطر المحيطة و المتربصين بهم من كل جانب ، و يأتي ميله إلى الصراخ مدفوعاً إلى ذلك كرد مناسب لسلوك وأداء الإرهابيين كما أشرت من قبل في هذا المبحث ، و التأكيد على أن تلك الأبواقَ الإعلاميةَ المشبوهةَ إن هي إلا هراء و افتراءات محبوكة بالصوت والصورة بشكل مستفز و لا ينطلي على العقلاء ، تطلقها تلك الجماعات الإرهابية من خلال منابرَ إعلاميةٍ معاديةٍ هدفها الأساس هو النيل من مصر و استقرارها تمهيداً و تنفيذاً لمخطط استعمارية قديمة، جديدة لم تتوانى عبر الزمن ..
عود على بدء ، فالبحر المجزوء قد وجد فيه الشاعر ما يناسب قدرته على توصيل أفكاره التي يطلقها في شكل صيحات و هتافات بجمل قصيرة يغالب بها الغوغائية الإعلامية الممنهجة والمضللة ؛ لعله يُفحمُها ، فيغلِبُها من أجل أن ينقذ أبناء الوطن من الانحراف لتلك الأصوات النشاذ لئلا ينجرفوا لها عن سياق وطنهم السوي و المستقر ..
و قد لا حظنا نظم الشاعر من بحر مجزوء الوافر وحده عشرَ قصائدَ -ومعصوب الوافر يتشابه و بحر الهزج- و معلوم أن الوافر بحر لين ، يسهل ويشتد وفق قريحة الشاعر و ما تخوض فيه نفسية الشاعر ..
و من نظم الوافر (أنا المصري-السادات-العقرب- بأمر الشعب-جسر العبور-عيد الشهيد-ما يلزمناش-طفل الصبار-إرادة وطن -ضد الإرهاب)، و قصيدة (السادات) من الوافر التام … أيضاً ورد من بحر المتقارب خمسُ قصائد ، والمتقارب تفعيلته خماسية متشابهة أجزاؤه متقاربة و فيه رنة و نغمة مطربة على شدة معنوية، و هو أصلح للعنف و السير السريع .. و قصائده (بلادي تعيشي- الإنسانية _كنيسة و جامع- الأراجوز)
** الأساليب والصور و الأخيلة في ديوان(أنا المصري): –
التزم الشاعر بالواقعية الشديدة في كل قصائده دون تكلف .. فالشاعر يعبر عن أحداث مرت بها مصر لسنوات طوال بحلوها و مرها ، و اختار أن يرصدها بجمل قصيرة ذات أفكار جزئية متنوعة تبدو و كأنها حبات عقد في منظومة القصيدة الواحدة ..في قصيدة (جسر العبور) يستدعي الشاعر مشاهد عبور جنودنا البواسل قناة السويس في حرب أكتوبر المجيدة لدعوة الشعب المصري لعبور آخر عضد التخلف و ما يُخلِفه الإرهاب من آثار مادية و معنوية تضر بالوطن وتعطل مسيرته ” على جسر العبور عدي/ يا شعب تاريخه أسطورة/ وكيد عيالك الخونة/براية عالية منصورة” ، … و الشاعر لم يتجنب التكرار في الكثير من القصائد ، و في القصيدة الواحدة ، بل حرص عليه بإصرار ؛ فها هو قد أطلق لنفسه العنان للتأكيد على الأشياء ، و ذلك لقطع الشك باليقين فيما يطرحه من قضايا مستعيناً بتعبيراته الكنائية في مواضعَ متعددةٍ ، مثلاً يقول (سقط الصنم) فهي صورةٌ مجسِّدةٌ تماماً لهزيمة تلك الجماعات ، و في المقابل يعبِّر عن حال المصريين المخلصين بالنصر و العزيمة في ” و مكملين رغم الألم / في الأرض و احنا في القمم /و الشعب رافع للعلم ” و تكرار “سقط الصنم” مرتين بين كل سطر و الذي يليه .. حتى بلغ تِكرارُها ٢٢مرة” ثم يكرر تلك التجربة في قصيدة (ما يلزمناش) تصريحاًو بإلحاح على ضرورة مفارقتنا تلك الجماعات لما فعلوه معنا من جرائمَ لا تغتفر ، و كذلك الأمرُ في قصيدة ثالثة (زي العدم)دون تكرار لَزْمةٍ شعرية هذه المرة.. و اكتفى بتعدد الصور كما في “و لا شِعرك الحامض” إيحاءٌ للفساد ، ” لونك رمادي و لقمتك مغموسة دم” إيحاء بجرائمهم ضد أبناء الوطن ، “يا شايب الشَّعر الرزين”، إضافة إلى ورود الحكمة كما في آخر سطرين ” من عاش منافق مات منافق و انهزم / من عاش عوالة مات كريه بين الأمم”. . .
الوجدان في ديوان أنا المصري
اتسم هيثم متولي بسمات ترفع من قدره في ضمير كل وطني مخلص لوطنه :
و نلمح دفقة وجدانية صارخة في قصائد عدة ، منها:
* (الإعلام الوطني ، السادات ، كنيسة و جامع ، تحية للعمال ، الجنود اللي ف بلدنا ، جيش الأمجاد ، ٣٠ يونيو ، الجزيرة إرهابية ، سقط الصنم ، ما يلزمناش ، زي العدم) .
* قصائد في صلابة المصري و قوة حدود الوطن و أنها عصية على الأعداء دائما (طفل الصبار ، شعبك جيش ، إرادة وطن) .
* الوحدة الوطنية : أفرد لها قصيدة ( أنا المصري، كنيسة و جامع ، الإنسانية) … و أشار إليها متفرقة في قصائد أُخر .
* قصائد عن التنديد بالجماعات الإرهابية : ( ضد الإرهاب، المصالح ، سقط الصنم، ما يلزمناش) .
* عزيمة الرجال في حماية الوطن :(حيرة).
* السخرية من قوى الشر و الخونة (الأراجوز).
* القصيدة الختامية(رسالة قصيرة إلى مقاتل على الجبهة ) تضم دفقة شعورية و معنوية عارمة ، و تعبر عن عما يريد بثه في نفوس جنودنا البواسل من شجاعة و قوة و بسالة و فدائية ، وهي جرعة قوية من شَحنة وطنية لدى كل جندي مرابط للدفاع عن حدود الوطن المفدى .
إطلالة لفظية و صوتية في ديوان أنا المصري
ذكرنا في بدايات هذا المبحث أن الشاعر قد وهب نفسه من أجل الوطن .. لذا نجده( أي الشاعر) منغمساً في حالة شعورية تتسم بالوطنية و حب الوطن .. لم لا و هو الذي شب في بيت يعطي القدوة و المثل في ذلك؟ ، حيث طالما سمع والده -رحمه الله- يقول بعض الأشعار التي تمجد الوطن و تتغنى بحبه ، و أحياناً يمسك بالقلم ويسهم في كتابة الشعر بما تجود به قريحته و وجدانه الشعري ، و أحياناً يتبادل الأشعار في جلساته مع آخرين فكان ذلك بالنسبة لهيثم متولي جواً مشعاً بالروح المفعمة بالوطنية الخالصة، فانغرست في نفسه سجيةٌ متعطشةٌ دائماً إلى البذل و العطاء للوطن و الناس و محبتهم .
و الشاعر يكتب بتلقائية دون تكلف .. مما جعل الإيقاع النظمي متنوعاً ، عالياً أحياناً و يضعف أحياناً .. و القافية عنده متنوعة في تأثيرها الصوتي ، فيكون حرف الروي مطلقًاً مرة و مقيداً أخرى ،و متنوعاً من حيث الجهرية و الهمس .
تنوع الأداء الصوتي للوصول في ديوان أنا المصري
* تنوع الأداء الصوتي للوصول في ديوان (أنا المصري)، و ذلك يرجع إلى تنوع الحروف من حيث الجهر و الهمس ، و القوة و الضعف و خاصة في القوافي .. فقد تنوعت القوافي في كل القصائد من خلال حرف الروي و هو الحرف الذي تبنى عليه القصيدة ، كالهمزة في قول الشاعر :
” كيف ترقى رقيك الأنبياء… يا سماءً ما طاولتها سماءُ”
فالهمزة المضمومة، أي المشبعة بالواو المد تسمي روياً مطلقاً
، ويعني ذلك إطالة مدة الحركة للإشباع مداً بالواو ، و العكس من ذلك في القافية المقيدة وهي التي رويها ساكن سكوناً مقيداً كقول الشاعر إثر وفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر : “اسمه في فمي … لا تقولوا الوداعْ”
نابض في دمي … خافق كالشعاعْ”
حرف الروي هنا هو العين الساكنة في كل من البيتين ، و هو سكون مقيد .. و النوع المطلق أقوى من الآخر من حيث النطق و يعبر عن الحالة النفسية للشاعر و تأثيرها في نفس المتلقي ، و كلا النوعين كثير في قصائد الديوان، أي أن الشاعر لم يتوقف عند أحدهما دون الآخر ، فقد ترك لنفسه حرية الانتقال و التنوع بلا تكلف ، ولوحظ أن القافية المطلقة أكثر نسبياً من تلك المقيدة ، دليل على أن الشاعر وجد في النوع المطلق حرية في الحركة و انسجاماً مع نفسه ، فهو منطلق بطبيعه لا يحتمل التقييد ، على العكس من القافية المقيدة .. فإنه يلجأ إليها ليعبر عن أمور تتطلب الانضباط و الالتزام ؛ و هذه الأمور تعبر عن صدق الشاعر مع نفسه في الفعاليات و توجهاته بمرور الزمن و استطلاع النتائج ليرى بعينيه ثمرة جهده و صواب توجهاته الوطنية بإخلاص و تفانٍ .. و مثال القافية المطلقة: في قصيدة (أنا المصري)، القافية(مصري ،نصري، قبري) ، و نوعها متواتر ، الردف(الراء المكسورة المشبعة بالياء) .. أما النوع المقيد فمثاله (ثائرْ )، نوع القافية متواتر ، الردف (الراء الساكنة) ، و مثلها التاء المربوطة في (هزةْ ، دودة في مردودةْ ، تدَّةْ في مرتدةْ ) …
خاتمة
هكذا فإن ديوان(أنا المصري) يشبه العقد و قصائده حباته المنظومة فيه ، أو يشبه (البلوك السكني) و قصائده التي يضمها عناصر متشابهة الخصائص ، أو كالجسد تشكله أعضاؤه المختلفة منسجمة و متكاملة تمد الجسم بالحياة .. فيبدو لنا الديوان كقصيدة واحدة ، و كل قصيدة تمثل فكرة تصب في بنية الديوان ، و صياغة قصيدة (أنا المصري) .. ليشكل الشاعر بها حالة من الوطنية الصادقة الواثقة و المعبرة عن شخصيته الجميلة.
قد يهمك أيضاً :
الشاعر منصور البغدادي…وقراءة في ديوان أنا المصري للشاعر هيثم متولي
الشاعر هيثم متولي قصيدة “و مين هزم إسرائيل غير مصر ؟ “